عندما استولى فيديل كاسترو على السلطة لأول مرة في بلاده قبل أزيد من خمسين عاماً، أمر بالتخلص من ملاعب الجولف في كوبا. واليوم، أصدرت الحكومة التي تتلمس طريقها في صمت نحو إصلاحات متواضعة، موافقتها المبدئية مؤخراً على إنشاء أربعة منتجعات فاخرة للجولف. غير أن المشكلة هي أنه لا يوجد ما يؤشر إلى وجود تغير في النظام السياسي المتشدد. صحيح أن كوبا شرعت في دراسة النموذج الصيني لإدارة اقتصاد السوق في إطار نظام سياسي شيوعي، لكن محاولات هافانا لإنعاش اقتصاد راكد مازالت أبعد ما تكون عن الابتكار والإبداع اللذين يميزان اقتصاد الصين. وعلاوة على ذلك، فإن مؤتمر الحزب الشيوعي الكوبي الذي انعقد في شهر أبريل الماضي، وهو الأول من نوعه منذ 14 عاما، كان متوقعاً بعد تلميحات من الرئيس راؤول كاسترو إلى تغيير قادم؛ ولكن الآمال في تغير القيادة وفي تعيين فريق شاب أكثر نشاطاً وحيوية يُنعش النظام القائم ويطعّمه بدماء جديدة... سرعان ما تحطمت. فقد خلف راؤول شقيقه فيديل الذي أقعده المرض، على رأس الدولة والحزب الشيوعي رسمياً. غير أنه بدلا من أن يقوم باختيار مرشح شاب لخلافته، كان منصب الرجل الثاني في الحزب من نصيب شيوعي متشدد في الثمانين من عمره هو خوسي رامون ماكادو. وعلى الرغم من أن راؤول تحسر على غياب بدلاء يتمتعون بـ"التجربة والنضج الكافيين"، إلا أن المرشحين الشباب تم تهميشهم واستبعادهم أو ثنيهم عن الترشح لمنصب القيادة. ويبدو أن الهدف هو الحفاظ على النظام السياسي قائماً والاكتفاء بتقديم بعض التحسن الاقتصادي لشعب يشعر بالإحباط، ولكن على شكل تحديث للنموذج الاشتراكي مع إبقاء جوهره كما هو. والحال أن راؤول، وكما جاء على لسان منفي كوبي كان يشغل مناصب رفيعة في السنوات الأولى لصعود فيديل كاسترو، هو "أكثر شيوعية من فيديل". وقد عمد راوول كاسترو إلى الإفراج عن بعض السجناء السياسيين، وتحدث عن حد أقصى للحكم هو ولايتان من خمس سنوات لنفسه وسياسيين آخرين. كما أعلن عن مخططات لتسريح نصف مليون من الموظفين الحكوميين، لكنه أرجأ تنفيذها إلى أجل غير محدد. وشجع على ظهور الشركات الصغرى بدلا من عمليات التوظيف الحكومي الضخمة. كما ألمح إلى تقليص المنح والمساعدات الحكومية؛ مثل الحصص الغذائية الشهرية التي كان لا يزال معمولا بها إلى الآن كجزء من النظام الاشتراكي. بيد أن الدولة المدعومة من قبل جيش قوي يخترق جنرالاته بنيتها وهياكلها، تظل بالغة الأهمية في كوبا. لكن، كيف يؤثر كل هذا على علاقات كوبا مع الولايات المتحدة؟ الواقع أنه على نحو غير اعتباطي، تزامن تاريخ انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعي مع الذكرى الخمسين لـ"خليج الخنازير"، وهي المحاولة الأميركية الفاشلة التي كانت تروم الإطاحة بنظام كاسترو. وفي هذا السياق تقول جوليا سويج، مديرة دراسات أميركا اللاتينية بمجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، والتي أجرت في الآونة الأخيرة حواراً لا ينسى مع فيديل كاسترو في هافانا، تقول إن الرسالة الكوبية هي كالتالي: "كوننا نتغير لا يعني أننا سنتخلى عن هويتنا ومثلنا الثورية. إن الإصلاح الاقتصادي لا يعني تقديم تنازل للولايات المتحدة". والجدير بالذكر في هذا السياق أن إدارة أوباما رفعت قيود السفر إلى كوبا بالنسبة للأميركيين الكوبيين، إضافة إلى القيود على إرسال الأميركيين الكوبيين المال إلى أقاربهم في كوبا. كما بات باستطاعة المؤسسات التعليمية والدينية اليوم إرسال ممثليها إلى كوبا. وإضافة إلى ذلك، انتقل البيت الأبيض إلى التشجيع على مزيد من التبادل الثقافي والاقتصادي مع كوبا، مقللا التركيز على تغيير النظام. والجدير بالذكر هنا أيضاً أن البث الإذاعي والتلفزيوني للحكومة الأميركية إلى كوبا كان يتعرض للتشويش من قبل النظام الكوبي على مدى السنين الماضية، غير أن راديو وتلفزيون "مارتي" يستعملان طرقاً مختلفة، من بينها بث الإشارات من المناطيد والطائرات من أجل توفير أخبار ومعلومات بديلة للكوبيين الذين يتعرضون للبروباجندا الحكومية التي تبثها وسائل إعلامهم التي تتحكم فيها الدولة. غير أن المنتقدين، مثل بعض الوكالات المعنية في الحكومة الأميركية، يعيبون على عمليات "مارتي" عجزها عن الوصول إلى جمهور كوبي مهم وكلفتها المرتفعة. ونتيجة ذلك، تمت مؤخراً إعادة صياغة شكلها ومضمونها بهدف جعلها مناسبة وجذابة أكثر حتى تصل إلى الجمهور الشاب. غير أن أحد العوامل التي لا تزيد العلاقة الحالية بين الولايات المتحدة وكوبا إلا تعقيداً، هو اعتقال السلطات الكوبية مؤخراً المواطن الأميركي ألان جروس والحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاماً. وكان جروس قد ذهب إلى كوبا كموظف لشركة أميركية في إطار عقد مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لكنه ظل خاضعاً للمراقبة من قبل عملاء الاستخبارات الكوبية، وتم اعتقاله أواخر عام 2009 بتهمة ارتكاب "أعمال تخريبية" مزعومة ضد الحكومة الكوبية. وفي الوقت الراهن، يمكن القول إن العلاقات بين البلدين هادئة إلى حد ما، غير أن القرب الجغرافي لبلد شيوعي ذي شعب قلق ونظام دكتاتوري مستقبله غير مؤكد تماماً، يقتضي يقظة ومراقبة مستمرتين. ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"